إنّ “دور الثّقافة” أو “دور الشّعب”، سابقا، تُعتبر من أعرق المؤسّسات والفضاءات الثقافيّة التي نشأت ببلادنا غداة الاستقلال وتمّ بناء هذه الدّور في نطاق التعاون الثّقافي مع بلغاريا خلال فترة الستينات وعرفت منذ نشأتها بتفاعلها مع ما يطرأ على المجتمع من تحوّلات طبعت مهامها وحدّدت وظائفها وقد لعبت في سنوات نشأتها الأولى أدوارا توعويّة ذات طابع تحسيسي، وتعبوية من أجل مقاومة الأمية والإحاطة بالمواطنين ووقايتهم من الآفات الاجتماعيّة وقدّمت خدمات تضامنيّة إنسانيّة لمختلف الفئات الاجتماعية والشرائح العمريّة () كما قامت بدور المكتبات العمومية للكهول في عدد كبير منها بالمدن والقرى التي تعذّر فيها بعث مكتبة مستقلّة () واستمرّت تجربة نشر مؤسّسات دور الشعب والثّقافة على مدى السنوات الموالية للاستقلال تصاعديّا” (عن كتاب من روافد العمل الثّقافي المؤسّسات الثّقافيّة: تعدّد الاختصاصات وانفتاح الرّؤى للأستاذ زهير عباس، منشورات دار الاتّحاد للنّشر والتّوزيع، ط1، تونس 2020، ص ص 180– 181)
كما تسهر دور الثّقافة على تأطير الروّاد في المجالات الفنية وصقل مواهبهم وفتح سبل الإبداع أمامهم من خلال مختلف نوادي الاختصاص، وتشجيع المواهب الشّابّة والإحاطة بهم في مختلف الميادين الثقافية والفنية فهي تُعتبر بالأساس “فضاءات تربوية لاحتضان النّاشئة خلال أوقاتها الحرّة وفسح المجال أمامها لممارسة أنشطة تربويّة هادفة تمكّنها من فرص الترفيه المفيد” (عن كتاب من روافد العمل الثّقافي المؤسّسات الثّقافيّة: تعدّد الاختصاصات وانفتاح الرّؤى للأستاذ زهير عباس، منشورات دار الاتّحاد للنّشر والتّوزيع، ط1، تونس 2020، ص ص 137 – 140)، وترسيخ ثقافة الحوار لدى الروّاد وخاصّة اليافعين والشبّان والتواصل معهم والنّفاذ إلى مشاغلهم والعمل على تنمية مواهبهم ومهاراتهم عبر ممارسة النشاط الثقافي والفني وتنظيم الملتقيات والندوات الثقافية والتظاهرات التي تعرّف بالتراث الوطني على غرار شهر التراث كما تحافظ على تنظيم تظاهرات قارّة أصبحت من التقاليد الثابتة في البرمجة السنويّة على غرار المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب
إنّ هذه المؤسّسات تساهم جميعها في تصوّر وتنفيذ البرامج والمشاريع الهادفة إلى تحقيق التّنمية الثقافية وتشجيع المبدعين والإحاطة بالمواهب الشّابّة في مختلف الميادين الثقافية والفنية كما تسهر على تأطير الروّاد في المجالات الفنية وصقل مواهبهم وفتح سبل الإبداع أمامهم من خلال مختلف نوادي الاختصاص كما تنفتح هذه المؤسّسات على مختلف الفنون وتنظّم التظاهرات والعروض السينمائية والمسرحية والعروض التنشيطية والأمسيات الأدبية والندوات الفكرية والملتقيات لمختلف الشرائح
إنّ نوادي الاختصاص بدور الثقافة تساهم منذ سنوات في نحت شخصيات الشباب وصقل مواهبهم وتنمية مهاراتهم التي استهوت البعض منهم ليواصل فيها كمهنة أو لتُترجم هوايته حرفة من خلال إصداراته إن كان كاتبا أو حصوله على شهادة الاحتراف الفني في الموسيقى أو المسرح أو الفنون التشكيلية وغيرها ولنا أن نذكر بعض الأسماء التي مرّت من نوادي دور الثقافة على غرار المسرحي والممثل مهذّب الرميلي ابن نادي المسرح بدار الثقافة باب البحر بصفاقس، والشعراء أماني الزعيبي وعلي العرايبي أبناء نادي الشعر والقصّة محمد البقلوطي والمخرج والممثل أمير بالأسود ابن نادي المسرح بالمركب الثقافي محمد الجموسي والكوريغرافي طارق بوزيد ابن دار الثقافة باب البحر بصفاقس فضلا عن تتويج عدد من أبناء النوادي في مهرجانات ومسابقات وطنية على غرار تتويج نادي الثقافة الرقمية بدار الثقافة بئر علي بن خليفة وطنيا سنة 2020، وتتويج نادي المسرح بدار الثقافة فندق الحدادين في المهرجان الوطني للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب سنة 2021، وتتويج نادي الثقافة الرقمية بدار الثقافة الحنشة بالجائزة الثانية ضمن فعاليات المسابقة الوطنية لتصميم التطبيقات والمضامين الرقمية سنة 2023، واختيار مشاركة نادي الثقافة الرقمية بدار الثقافة منزل شاكر ضمن أفضل المشاريع خلال الملتقى المذكور سلفا
ولنوادي الاختصاص بهذه المؤسّسات فضل كبير في اكتشاف مختلف الطاقات والمهارات وصقلها وتهيئتها لاكتساب شخصيّة متوازنة وفاعلة وذكيّة داخل الفضاء المهنيّ مستقبلا وتبقى فئتي الأطفال والشباب من أكثر الفئات التي تستهدفها الأنشطة الثقافية ذلك أنّ 3575% من الأنشطة تستفيد منها فئة الأطفال، و3806% تستفيد منها فئة الكهول، هذا فضلا عن المناطق الريفيّة رغم أنّ دور الثقافة لا تغطّي كلّ معتمديّات الولاية ذلك أنّ عدد دور الثقافة يبلغ 14 مؤسّسة، فمعتمديات العامرة وطينة وصفاقس الجنوبية وصفاقس الغربية تفتقر إلى دور ثقافة رغم اتّساع الرقعة الجغرافية خاصّة لمعتمدية صفاقس الجنوبية (العين، قرمدة، بوزيان، الأفران الشمالية، الخزانات، العوابد) ولمعتمدية صفاقس الغربية التي تمثّل قطبا جامعيّا وأحياء شعبيّة ذات كثافة سكّانيّة عالية (مركز شاكر، العالية، وادي الرمل، حي الحبيب، سكرة، حي البحري)